"العيون الخمس".. تآكل حقوق اللاجئين بين القيود الأمنية وفقدان الحق في الحماية
اجتماع يضم الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا وبريطانيا
في لحظة فارقة من الجدل المتصاعد حول الهجرة في بريطانيا، وجدت وزيرة الداخلية الجديدة شبانة محمود نفسها في صدارة المشهد، وهي تستضيف في لندن اجتماعاً لتحالف "العيون الخمس" الأمني، الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا إلى جانب بريطانيا.
وخصص الاجتماع، بحسب ما نشرته صحيفة "الغارديان"، لمناقشة ملف تهريب البشر عبر القناة الإنجليزية، إلى جانب ملفات أخرى مرتبطة بالجرائم المنظمة والتهديدات العابرة للحدود مثل الاعتداء الجنسي على الأطفال عبر الإنترنت وانتشار المواد الأفيونية الاصطناعية القاتلة.
لكن خلف الخطاب الأمني يظل المدخل الحقوقي الأكثر إلحاحاً، إذ تطرح السياسات الحكومية تساؤلات جوهرية حول التزامات بريطانيا تجاه طالبي اللجوء، ومدى توافق الإجراءات المقترحة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
أرقام قياسية وضغوط
أشارت "الغارديان" إلى أن اجتماع محمود جاء في وقت حساس، حيث تجاوز عدد المهاجرين الواصلين إلى بريطانيا عبر القوارب الصغيرة 30 ألفاً هذا العام.
وشهد يوم الأحد الماضي وحده عبور 1,097 شخصاً، وهو رقم قياسي يكشف حجم الظاهرة وتعقيداتها، ومنذ عام 2018، عندما بدأت السلطات البريطانية نشر بيانات دقيقة عن عبور القناة، ظل هذا الملف مصدر توتر سياسي وإعلامي متواصل.
وعلى الرغم من أن الرقم الإجمالي لهذا العام -30,100 شخص- هو الأدنى منذ بدء النشر الرسمي للإحصاءات، فإن الحكومة تجد نفسها أمام ضغط متزايد، فكما ذكرت رويترز وعد رؤساء وزراء متعاقبون "بوقف القوارب"، لكن هذه الوعود لم تتحقق، وهو ما غذّى شعوراً عاماً بأن النظام الحالي "متهالك" وغير قادر على إدارة الملف بفاعلية أو بعدالة.
وقالت شبانة محمود، في تصريحات نقلتها "الغارديان": "إن عبور هذه القوارب الصغيرة أمر غير مقبول، ومهربو البشر الأشرار الذين يقفون وراءها يُلحقون الضرر بحدودنا"، وأضافت أن "أولى عمليات العودة ستبدأ قريباً بموجب الاتفاق مع فرنسا"، مشددة على أن "حماية الحدود هي أولويتها كوزيرة للداخلية".
لكن خلف هذه التصريحات، يظل هناك جدل حقوقي واسع، فالترحيل السريع لطالبي اللجوء إلى فرنسا، أو إلى دول ثالثة محتملة، يثير مخاوف من انتهاك حق الأفراد في طلب الحماية الدولية.
وكما أشار الرئيس التنفيذي لمجلس اللاجئين، إنفر سولومون، في تصريحات نقلتها الغارديان، فإن "الحل ليس في معسكرات اللجوء الفاشلة أو في استخدام القواعد العسكرية لإيواء الناس، بل في إصلاح جذري للنظام عبر قرارات أسرع وأكثر عدلاً، وتوفير مساكن آمنة في المجتمعات المحلية".
بين القانون والضغوط المحلية
تأتي هذه التحركات في ظل سياق أوروبي ودولي حساس، فالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تكفل الحق في الحياة الأسرية، وهو ما يحدّ من قدرة الحكومات على الترحيل القسري أو تقييد حرية التنقل بشكل جماعي، ومع ذلك، تدرس حكومة كير ستارمر إمكانية تعديل كيفية تطبيق هذه الاتفاقية، في محاولة لتوسيع نطاق الترحيل.
ستفتح هذه الخطوة، إذا مضت قدماً، باباً واسعاً أمام نزاع قانوني معقد، حيث يرى المدافعون عن حقوق الإنسان أن أي تراجع عن التزامات بريطانيا في إطار الاتفاقية سيشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وفي الوقت نفسه، تتعرض الحكومة لضغوط داخلية متزايدة، مع صعود حركة "إصلاح المملكة المتحدة" التي يقودها نايجل فاراج، والتي تعهدت بمنع عبور القوارب "خلال أسبوعين" إذا وصلت إلى الحكم.
واللافت في اجتماع "العيون الخمس"، كما نقلت رويترز، هو حضور وزراء من أربع دول أخرى تتبنى مقاربات أمنية صارمة تجاه الهجرة؛ الولايات المتحدة مثلاً واجهت انتقادات حادة بسبب سياسات الاحتجاز الجماعي للمهاجرين على الحدود المكسيكية، بينما شددت أستراليا إجراءاتها البحرية ضد طالبي اللجوء، هذا يثير القلق من أن يتحول التعاون الأمني داخل التحالف إلى منصة لتنسيق سياسات قد تقوض حقوق اللاجئين بدلاً من تعزيز حمايتهم.
ورغم الخطاب الرسمي عن "وقف العصابات" و"ردع المهربين"، يبقى الواقع أن الضحايا المباشرين لهذه السياسات هم الأفراد الفارون من النزاعات والاضطهاد، الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة المهربين وسندان الإجراءات الحكومية القمعية.
البدائل الحقوقية الممكنة
في خضم هذه التجاذبات، يدعو ناشطون حقوقيون إلى إعادة تعريف الأولويات، فكما أوضح إنفر سولومون في تصريحاته لـ"الغارديان": "الحل الواقعي يتمثل في قرارات لجوء أسرع وأكثر عدلاً، مع توفير مساكن لائقة تُمكّن اللاجئين من العمل والدراسة وإعادة بناء حياتهم"، هذا الطرح يعكس رؤية قائمة على الحقوق، ترى أن ضمان الكرامة الإنسانية والاستقرار الاجتماعي هو السبيل الأنجع لمكافحة التهريب، لا مراكمة القيود الأمنية.
وما يبرز من متابعة ما كتبته الغارديان ورويترز هو أن الأزمة الراهنة ليست مجرد ملف إداري أو أمني، بل مسألة حقوقية بامتياز، فحق طلب اللجوء ليس خياراً سياسياً بل التزاماً قانونياً وأخلاقياً، والرد عليه من خلال الترحيل السريع أو الإقامة القسرية في مواقع عسكرية يقوض المبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ويكشف ما يجري في بريطانيا اليوم، على خلفية اجتماع "العيون الخمس"، عن مفترق طرق حقيقي: إما الانخراط في سباق أمني قد يعمّق انتهاكات حقوق الإنسان، أو تبني إصلاح شامل يعيد للنظام قيم العدالة والكرامة، وبين هذين الخيارين يظل مستقبل آلاف اللاجئين معلقاً على قرارات سياسية سيتذكرها التاريخ طويلاً.











